
"دا الجاني منّك ومن تباريح الهوى
وصفو بِصْعب يا جميل"
حينما يسمّي الفنان عمله الفني، فإنه يرشدنا إلى الاتجاه، لكنه يمنحنا الحرية في اختيار المسار. وكأنّ حسين هنا يمنحنا مفتاحاً لفهم اللوحة "تباريح الهوى"، ويدعونا لاستكشاف مساراتنا الفردية، لاكتشاف آفاق جديدة من التأمل والشعور. هل أراد حسين أن يُسهِّل على التجاني حاج موسى ومحمد ميرغني وعلينا صعوبة الوصف (وصفو بِصْعب يا جميل) حينما أهدانا بعداً بصرياً لهذا العمل الفني الجميل؟
منذ النظرة الأولى، تجذبنا لوحة "تباريح الهوى" بألوانها الزاهية والداكنة، التي تتشابك في حوار بصري يعكس تناقضات الحب والألم. الألوان الفاتحة مثل الأصفر والبرتقالي تنبض بإحساس السعادة، بينما الألوان الداكنة كالأسود والأرجواني تحمل في طياتها الألم والحنين. هذا التدرج اللوني المتقن والاستخدام البارع للقلوب والأشكال الهندسية الرمزية ليس مجرد اختيار عشوائي، بل هو تقنية فنية تهدف إلى نقل المشاهد بين حالات الفرح والألم بكل سلاسة.
مسار البُعد والتقلّبات:
"وبِعدت عنّك ولما طال بي النوى
بقى لي أسيبك مستحيل"
تُعبِّر اللوحة عن رحلة الحب بكل تناقضاتها، فكما أن الحب يحتوي على لحظات من الفرح والأمل، فإنه يحمل أيضاً في طياته لحظات من الألم والعذاب. الألوان الداكنة تُجسد هذه التباريح، تلك اللحظات التي يصعب وصفها والتي تجعل من الفراق أمراً صعباً للغاية. نجد في اللوحة تعبيراً بصرياً عميقًا لتلك المشاعر، حيث تتداخل الألوان الداكنة والفاتحة بشكل يرمز إلى التقلّبات العاطفية والاضطرابات التي يعيشها القلب العاشق.
مسار التَلَبُّس والأحلام والذكريات:
"تبقى سيرتك هي الكلام
وتبقى صورتك هي الرؤى الحلوة البَعِيشا
في صحوتي أو حتى في عز المنام"
تظهر القلوب وكأنها تنبض بالحياة، محاطة بألوان تتغير من الزاهية إلى الداكنة، في تكرار يشبه تكرار الذكريات والأحلام. هذه القلوب لا تقف ثابتة بل تتحرك وتتغير، مما يجعل اللوحة تفاعلية، وكأن الذكريات والأحلام تنبض من جديد مع كل نظرة إلى العمل الفني، تماماً كما تتحرك المشاعر في قلب العاشق الذي لا يستطيع أن ينسى محبوبه ولو للحظة.
مسار الأمل والفرح وسط العذاب:
"ويبقى إسمك هو الغنا
هو البخفف لي عذابات الضنى"
هنا، تتجلى براعة حسين عبد الرحيم سالم في استخدام الألوان الزاهية و الـ (قلبين ضمّاهم غرام) التي تبرز بين الألوان الداكنة الأرجوانية وسط اللوحة، وكأنها ترمز إلى لحظات الأمل والفرح التي يُخففها ذكر المحبوب. اللوحة تحمل في طياتها إحساساً بأن المحبوب، على الرغم من آلام الحب، يمكن أن يكون مصدراً للسعادة والفرح.
“تباريح الهوى” ليست مجرد لوحة، بل هي قصيدة بصرية تحمل المشاهد في رحلة عبر أبعاد مشاعر الحب المتقلّبة. بتقنيات فنية راقية وتعبير جميل، تقدم اللوحة تجربة بصرية وروحية متكاملة، تجعل منها تحفة فنية تستدعي التأمّل والإعجاب، وتظل محفورة في الذاكرة كعلامة بارزة على إبداع الفنان الجميل حسين عبد الرحيم سالم. هذه مجرد مسارات بسيطة تفتح لنا أبواب مسارات لا نهائية تقود إلى آفاق “تباريح الهوى”.
أزهري سيف الدين
٨ يونيو ٢٠٢٤م